fbpx
Français
English
العربية
Cinémathèque de Tanger

عزيزة أمير، أول مخرجة عربية

عزيزة أمير، أول مخرجة عربية

الفيلم الياباني له طابع خاص. و الفيلم الهندي له لون ينفرد به. و الفيلم الإيطالي له نكهة يحس بها المتفرج و يعرفها. و الفيلم الفرنسي يعطيك الإحساس بأنه “صنع في باريس!”. و لكن الفيلم المصري ليس كذلك. إن أبطاله يحملون أسماء مصرية. و يرتدون الزي المصري و يتكلمون بالعربية. و مناظره التقطت في بلادنا و قرانا و شوارعنا و بيوتنا. و مع ذلك فإنه لا يحمل أسلوبا سينمائيا مصريا. و لا ينفرد بطابع مصري.”

  1. سعد الدين توفيق ـ قصة السينما في مصر: دراسة نقدية ـ دار الهلال ـ غشت 1969

إن تحدث سعد الدين توفيق عن السينما المصرية بهذا الشكل فمعنى ذلك أنه رغم كون الصناعة السينمائية المصرية واحدة من أكثر الصناعات السينمائية ازدهارا في العالم، إلا أنه يظل هناك إحساس سائد في هاته الفترة أنها لا تتحلى بأسلوب يميزها عن غيرها. كما أنه من جهة أخرى وللاقتراب أكثر من بدايات السينما المصرية، نذكر أنه في العقدين الأولين من القرن الماضي عرفت المدن المصرية الكبرى كالإسكندرية و القاهرة بصالوناتها الأدبية ومسارحها والوافدين عليها من كل بقاع العالم و الباحثين عن فرصة العمر في  ذلك العصر الذهبي. وكانت الأفلام صامتة و قصيرة وتعتبر مجرد تجارب حرة يقوم بها شباب أجانب وتقوم بإنتاجها شركات أجنبية. كما أن فكرتي الوطن والثقافة المصريين كانتا حاضرتان في أذهان المصريين اللذين تشبتو بالوطن المصري كفكرة قبل باقي البلدان العربية.

ورجوعا إلى دراسة سعد الدين توفيق النقدية التي تحدث فيها عن محاولات إخراج فيلم طويل، حيث جاء في تأريخه أن أخوين فلسطينيين (2) آتيين من الشيلي توقفا في مصر و هما يطمحان إلى إخراج فيلم طويل عربي وبمقومات درامية و ممثلين مسرحيين. غير أن الفيلم لم ينل رضى الجمهور. و بعدهما ظهر المخرج التركي الشاب وداد عرفي (3) الذي طلب من يوسف وهبي (4) تقديمه  في الوسط الفني المصري خصوصا لأنه كان لا يتقن العربية. وهكذا التقى بالجزايرلي وفرقته  (5) وقام هذا الأخير بتمثيل دور في فيلم وداد عرفي لكنه لم يكن راضيا عما فعل حيث أنه كان كرجل مسرح متعودا على الحوار و الفكاهة اللفظية ما لم يستطع فعله طبعا في السينما الصامتة. كما أن الأفلام التي سبقت كل هذه المحاولات و كانت أجنبية اعتبرت  مجرد تجارب في الصورة ولا تحتوي على قصة ولا على سيناريو ولا على نجوم مسرح و لم يكن المراد منها تحقيق إنجاز على المستوى الفني بقدر ما كان انتهازا للفرص المتاحة لدخول الوسط الفني.

و بعد صنع أي فيلم يطرح موضوع العرض. ففي تلك الفترة لم تكن بعد صالات السينما موجودة في مصر وكان من المعتاد أن تتم العروض في المقاهي والصالونات الأدبية، بطلب من أصحابها حيث كانوا يؤدون الثمن لفريق الفيلم ولا سيما المنتج. كما أن المقاهي والصالونات كانت غالبيتها ملكا للأجانب المقيمين في مصر.

مع كل هذا الازدهار و”الرواج” في الوسط الفني كان يبدو للمثقفين أن “الحلم المصري” لا يزال بعيد المنال. فرواد المجال الفني والأدبي والنخبة السياسية والاقتصادية للبلد كانوا في انتظار فيلم مصري في كل مقوماته ابتداء من الفكرة مرورا بكتابة السيناريو والإخراج والأداء وصولا إلى الإنتاج ودور العرض.

و ظهرت عزيزة أمير (6) كالمحققة لذلك الحلم.

عزيزة أمير واسمها الحقيقي مفيدة غنيم، ممثلة مصرية من أسرة محافظة وزوجة رجل أعمال مصري ثري. وعرف اسمها في التمثيل  المسرحي إذ اشتهرت باشتغالها في فرقة رمسيس ليوسف وهبي (4) لمدة طويلة. و حين اهتمت بالسينما كان وهبي مرشدها إلى دور الإنتاج و المخرجين الأجانب ضمنهم المخرج التركي وداد عرفي الذي أتى بفكرة فيلم “نداء الرب”  (7) و كان يسعى إلى كتابة سيناريو للفكرة و إخراجها. أعجبت عزيزة أمير كثيرا بفكرة الفيلم ولكن وداد عرفي كان لا يزال شابا ليس له أدنى مورد مالي فأقنعت زوجها لاقتناء معدات التصوير كما قبلت من شدة رغبتها في التمثيل في هذا الفيلم بشروط وداد عرفي وهي أن يسكن الدور الأسفل من منزلها وأن تمده المأكل والمشرب وكذلك السجائر طوال مدة الاشتغال على الفيلم التي لم يتم تحديدها. ومن الظاهر جدا أن وداد عرفي كان يتباطئ ليستغل بنود العقد إلى أقصى حد حتى تبين بعد مدة ليست بالقصيرة أنه لم يقم بتصوير سوى بعض اللقطات لا يمكن استغلالها بتاتا.  وعلى إثر ذلك توقف العمل المشترك واسترجعت عزيزة أمير المشروع بأكمله خصوصا وأنها كانت تخضع لبعض الضغط من طرف القوميين اللذين كانوا ضد فكرة أن يكون المخرج أجنبيا وبالأخص تركي (8)ا.

وقامت عزيزة أمير بإعادة كتابة السيناريو حيث أنها حافظت فقط على الجزء الأول منه ما مكنها من استغلال لقطات قليلة مما صوره وداد عرفي وغيرت اسم الفيلم من “نداء الرب” إلى “ليلى” (7). واستدعت المخرج النمساوي الإيطالي ستيفان روستي  (9) ليعمل على إخراج الفيلم لكن في هذه المرحلة كان لها تصور دقيق عن القصة وعن كيف كانت تريد أن تراها على الشاشة. المجمل هو أنه إلى جانب إلحاحها كانت هناك ظروف خاصة جعلت عزيزة أمير تتملك فيلم “ليلى” بتدخلها في كل مراحل صنعه. ومع ذلك ظهر اسمها في جينريك الفيلم فقط كممثلة ومنتجة. كما أنه لما انتهى العمل على الفيلم قامت بعرضه على المقاهي التي كانت تحل محل صالات السينما ورفض أصحاب المقاهي رفضا قطعيا متسائلين فيما تختلف هاته التجربة عما سبقها من تجارب. ما دفعها إلى اكتراء أحد المقاهي وتأدية ثمن ذلك. وفي يوم العرض توافدت نخبة من المثقفين ورجال الأعمال المصريين بما فيهم المطرب محمد عبد الوهاب (10)  والشاعر أحمد شوقي (11). هذا الأخير شهد لها أنه لولا إصرارها لكانت مصر في تلك الأثناء لا تزال في انتظار حلمها. كما قال أحد رجال الأعمال المصريين البارزين (12) أنها قامت بما لم يستطع الرجال القيام به. وبعد عرض فيلم “ليلى” سنة 1927 والنجاح الذي حققه لقبت عزيزة أمير ب”أم السينما المصرية“. غير أنه مع مرور الزمن اختلطت الأمور في أذهان الناس حيث وقع الخلط بين فكرة أن يكون المؤسس لسينما مصرية بالمفهوم الوطني الذي كان سائدا آنذاك امرأة، وبين فكرة أن تكون عزيزة أمير أول امرأة مخرجة سينمائية في مصر، والبعض توسع خياله إلى أن اعتبرها أول مخرجة سينمائية في العالم العربي وربما الأمر كذلك، حيث أن الفكرتان لا تتضاربان. ويبدو لي جديرا بالذكر أنه في نظري، لولا السياق السياسي والفكري لما نال الفيلم ذلك الكم من الافتخارو التنويه. طبعا المقصود ليس هو التقليل من شأن العمل الذي قامت به عزيزة أمير، خصوصا و أنه لم تتح لي فرصة مشاهدته نظرا لندرته، و إنما جذب الانتباه أنه كل سياق مماثل لذلك يجند النساء والرجال دون ميز بينهما بحثا عن قوة العدد و تضخيم التصور القومي بإدماج أعمال النساء. وإن ذلك لفرصة لأي امرأة تطمح إلى دخول عالم من بابه الكبير. وليس هذا انتهازية من طرف عزيزة أميرلكن يبقى ربط الأحداث بسياقها أمر أساسي حتى تتم قراءة سليمة لها.

ولختم هذا المقال البسيط  و مهما كانت الصورة التي قد تتكون لدى القارئ على إثر قراءته أجد أنه من المؤثر جدا أن تتحدث عزيزة أمير بهاته الكلمات: “إنني لم أنجب أطفالا غير السينما المصرية“.

(1) سعد الدين توفيق اسم كبير من أسماء النقاد السينمائيين المصريين، و صاحب أول مؤلف جاد في تأريخ السينما المصرية و هو “قصة السينما في مصر”. اشتهر بكتاباته في أعمدة مجلة “الكواكب” الأسبوعية و هي أول مجلة فنية و سينمائية تخاطب القراء العرب، و كذك بكتاباته في مجلة “الهلال” الشهرية إلى جانب ألمع الأسماء في المجال النقدي. توفي على إثر سكتة قلبية خلال السبعينات و هو في السابع الخمسين من عمره قبل أن يكرم على دوره الريادي في النقد السينمائي المصري الحديث.

  1.  بدر و إبراهيم لاما (الأعمى) أخوان فلسطينيان و يكونان معا ثنائي عمل في السينما. أسسا شركة إنتاج سينمائي كوندور فيلم في مصر و كانا أول من أدخل معدات التصوير السينمائي للعالم العربي في حيفا بفلسطين. لكن بسبب مرض إبراهيم، توجها إلى الإسكندرية حيث عملا على عدد من الأفلام المصرية الناجحة ما بين سنتي 1927 و 1947 (سنة وفاة بدر لاما).
  2. وداد عرفي ممثل و كاتب سيناريو و مخرج سينمائي تركي. عاش في فرنسا قبل أن يتوجه إلى مصر في أواخر العشرينات ليشارك في الحياة الفنية للبلد. بعد وصوله إلى مصركان فيلم “ليلى” أول فيلم اشتغل فيه باسم “نداء الرب” . بعد فشله في التجربة (مع أن بعض المراجع تزال تنسب الفيلم إليه) استمر بالعمل في أفلام مصرية أخرى لكنه غادر مصر و عاد إلى تركيا في سنة 1933.
  3. يوسف وهبي ممثل و مخرج مسرحي و سينمائي مصري و من رواد المجالين في مصر. و هو أيضا مؤسس فرقة رمسيس المسرحية مع عدد من كبار الممثلين المصريين. تميزت الفرقة منذ  تأسيسها في سنة 1923 بترجمة أعمال مسرحية منحدرة من الأدب العالمي (موليير و شيكسبير) و بالعمل على الميلودراما ما جعلها تتميز عن باقي الفرق التي كان يغلب عليها طابع الكوميديا و الغناء.
  4. فوزي الجزايرلي فنان مصري و مؤسس فرقة الجزايرلي مع ابنته إحسان وابنه فؤاد. اشتغلت الفرقة على أعمال مسرحية و سينمائية أبرزها “مادام لوريتا”، كما كان لها الفضل في تقديم المطرب محمد عبد الوهاب للجمهور، حيث أنه كان يغني في فترات الاستراحة بين فصول الروايات.
  5. عزيزة أمير و اسمها الحقيقي مفيدة غنيم ممثلة و منتجة مصرية و مؤسسة شركة الإنتاج السينمائي “إيزيس”. و كان فيلم “نداء الرب” أول مشروع سينمائي لها. تزوجت من قريب لأهلها يكبرها سنا كثيرا و كان من المثقفين الذين تنشر الصحف ماقالاتهم و كان له الفضل في توسيع مدارك زوجته الشابة حيث أنه حرص على تثقيفها و اصطحابها معه إلى المسارح و قاعات السينما و المتاحف الأوربية.
  6. فيلم “نداء الرب” كان فكرة وداد عرفي و إنتاج و بطولة عزيزة أمير، لكن بعد فشل العمل المشترك بينهما اقترحت عزيزة أمير اسما جديدا للفيلم و هو “ليلى”.

 (8) مصر تحت الحماية البريطانية و سيادة العثمانيين.

(9) ستيفان روستي ممثل مصري الجنسية و الثقافة لكنه ابن لأم إيطالية و لأب نمساوي. عمل أبيه الديبلوماسي (كان سفير النمسا في القاهرة) جعله يتقن العديد من اللغات فأعجب ذات يوم رجل مسرح بطلاقة لسانه  وقدمه في فرقته. كما

انبهرت عزيزة أمير بثقافته السينمائية الواسعة فأسندت إليه إخراج فيلم “ليلى”.

(10) محمد عبد الوهاب موسيقار و ملحن و مؤلف موسيقى و ممثل سينمائي مصري و من معالم الموسيقى العربية.

(11) أحمد شوقي كاتب و شاعر مصري و أحد رواد النهضة الفنية و الأدبية بمصر. لقب بأمير الشعراء.

(12) طلعت حرب رجل اقتصاد و مفكرمصري و مؤسس بنك مصر و مجموعة من الشركات الوطنية في مجالات عدة مثل التأمين و النسيج و السياحة و السينما. عمل على تحرير الاقتصاد المصري من التبعية الأجنبية و لقب بأب الاقتصاد المصري. و اشتهر بكتاباته التي انتقد فيها أفكار قاسم أمين و هو رائد حركة تحرير المرأة في مصر